تتغلغل الجيوبوليتيكا المغربية في منطقة الساحل والصحراء، يتم من خلال استراتيجية توازي بين البعد الأمني والثقافي الديني والتنموي الإقتصادي، ولأن هذه الرهانات كبيرة، فإنها تحتاج إلى دينامية توظف مجالات الدول المستهدفة، سيما تلك التي نتقاسم معها واقع الجغرافيا السياسية.
وعليه، فحتى تحقق الجيوبوليتيكا المغربية فعلا سياسيا وتنمويا مؤثرا في
الفضاء الإفريقي، فإنها بالضرورة تحتاج إلى السند الموريتاني والسنيغال
لاعتبارات تضبط ملاءمة معطى الجغرافيا السياسية ورهان الامتداد
الجيواستراتيجي المغربي في العمق الإفريقي، المؤسس على الخيار الثقافي
الديني والتنموي الإقتصادي.
ولقد جسدت زيارة الملك محمد السادس إلى افريقيا، الأداة الفعالة لتفعيل
معالم الجيوبوليتيكا المغربية المعاصرة التي أعلن الملك عن عناصرها في خطاب
الكرى 38 للمسيرة الخضراء، لاعتبارات عدة منها أن خيار التوجه إلى الغرب
ليس مجديا ولا ملائما لكلفته مقارنة مع شح المساعدات المالية المخصصة
للإصلاحات المطلوب تنفيذها وفقا لتعهدات صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد
الأوربي.
والحق أن توجه الجيوبوليتيكا المغربية نحو إفريقيا بناء على المبدأ
الثقافي دينيا والتنموي اقتصاديا أساسي لتعويض سياسة الكرسي الفارغ داخل
منظمة الاتحاد الإفريقي. وقد نجحت سياسته في ذلك بأن أصبح المغرب ثان بلد
إفريقي مستثمر في القارة الإفريقية، حيث يعول المغرب على هذه الخطة لتحصيل
عوائد مالية وسياسية كبيرة، قد لا يحققها سياسيا من داخل الاتحاد الأوربي.
إن التوجه نحو إفريقيا قد جسد عمليا بداية أجرأة ما أورده الملك في خطاب
الذكرى 38 للمسيرة الخضراء من أن الأقاليم الجنوبية يجب أن تشكل العمق
الإفريقي للمغرب، لما تجسده من روابط جغرافية وإنسانية وثقافية وتجارية
عريقة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء. وعبر هذه الأقاليم يبدأ المغرب مساهمته
في التنمية البشرية في الدول الإفريقية، وتوفير البنيات التحتية، وعقد
اتفاقيات للتبادل الحر معها، في أفق تحقيق اندماج اقتصادي جهوي.
وحيث إن هذه الرهانات المصاغة وفق رؤية الجيوبوليتيكا المغربية تقتضي
أولا الارتكاز على الجغرافيا السياسية المغربية والمجال الجغرافي
لموريتانيا وباقي الدول الإفريقية جنوب الصحراء. فإن مستقبل مسار ذلك يجب
أن يتم بإشراك موريتاني، مما يستوجب تجاوز حالة التوتر الصامت بين البلدين
لتفعيل مشروع تنموي اقليمي مفيد لدول إفريقيا جنوب الصحراء.
ويبدو أن استمرار هذا التوتر الصامت دون وجود مبادرة من البلدين
لاحتوائه، من شأنه تعميق الخلافات، التي بدأت تتسرب إلى وسائل الإعلام. إذ
شرعت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية في تغطية بعض الإشكاليات بين
البلدين، كتغطيتها لاحتجاج عشرات السائقِين الموريتانيين على خلفية توقيع
تأشيرات دخولهم إلى المغرب.
وعلى الرغم من ذلك، فإن البلدين يقدران صعوبة المغامرة على مزيد من
توتير العلاقات بينهما لدرجة الترابط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي فيما
بين شعبي البلدين. إلا أن ذلك التسريع باحتواء هذه الأزمة، دون الانصياع
لذاتية مفرطة، لاسيما تكثير لقاءات وزير الخارجية الموريتاني، بوزير خارجية
ما يسمى "جبهة البوليساريو"، خلال قمم الاتحاد الإفريقي. وهو الأمر الذي
يجب أن يراعيه الفاعل السياسي الموريتاني الذي يجب أن يحافظ على حياديته
المعروفة.
وحيث إن الدبلوماسية الموريتانية ترأس منظمة الاتحاد الافريقي يفترض
فيها موضوعيا الانتباه إلى مخالفة البوليساريو مع منطق القانون الدولي، حيث
لا يعترف لها بصفة الدولة من لدن الجمعية العامة ولا مجلس الأمن الدولي،
بل إن غالبية الدول التي كانت تعترف بهذا الكيان سحبت منه الاعتراف.
وعليه، فإن موريتانيا يجب أن تكون رائدة في تفهم هذه التطورات ومشاركتها
مع باقي دول الإتحاد الافريقي على الأقل لتقييم أداء الإتحاد الإفريقي دون
المغرب وبانضمام تنظيم مسلح (البوليساريو) في سنة 1983. ذلك أن واقع
الاتحاد الإفريقي ظل تنظيما من دون فعالية في سلم العلاقات الدولية بدليل
فشله في حل الكثير من الأزمات الإفريقية، الأمر الذي كان يستدعي منه طلب
التدخل الأجنبي.
ويبدو أن هذا المنطق الجديد بدأ يجب طريقه في السياسة الخارجية
الموريتانية، لما استدعى الرئيس الموريتاني محمد ولد العزيز لاجتماع أمني
بالنواكشوظ مؤخرا، مقتصرا دعوته على النيجر ومالي والنيجر وتشاد من دون
المغرب والجزائر. يفيد بأن موريتانيا باتت تستوعب ضرورة الخروج من فلك
التجاذبات الاقليمية بين المغرب والجزائر وبعيدا عن معضلة جبهة
البوليساريو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق