عبـد الفتـاح الفاتحـي
في ظل حالة الجمود التي يعرفها ملف نزاع الصحراء، بعد أن أرجأت الجزائر استئناف زيارة روس إلى المنطقة والتي أعلن عنها مجلس الأمن الدولي رسميا في مايو الماضي، بعد طول مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وعلى الرغم من توقف المفاوضات يسجل صمت مريب للأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس إلى الصحراء، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول تناقضات دعوة بان كيمون إلى التسريع بإيجاد فرص للحل والمشاركة في تأجيله، إلى حين نضج رؤية دبلوماسية الجزائر والبوليساريو القائمة على إنهاك الموقف المغربي بالورقة الحقوقية.
وإذ يتجاهل الخطاب الملك الإشارة إلى هذا الصمت الأممي، فإنه يستند إلى سيادته الترابية المعززة مؤخرا بتحقيق انتصار قانوني في مفاوضاته العسيرة مع الاتحاد الأوربي، المتوجة بالتوقيع على اتفاقيات الصيد البحري تشمل شواطئ الأقاليم الصحراوية بشروط أحسن من الشروط التي تخلى فيها الاتحاد الأوربي عن الإتفاقية السابقة.
وفي هذا السياق أتت القناعة الملكية في خطاب العرش أن هناك دعم متنامي لمبادرة الحكم الذاتي، معتبرا بأن قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء "أكد بصفة حازمة، المعايير التي لا محيد عنها، للتوصل إلى الحل السياسي، التوافقي والواقعي. كما يبرز هذا القرار، بصفة خاصة، البعد الإقليمي لهذا الخلاف، وكذا مسؤولية الجزائر، التي تعدُّ معنية به، سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى القانوني الإنساني، المتعلق بالوضعية المهينة لمخيمات تندوف".
وعليه، فإن شروط العودة إلى المفاوضات حول الصحراء غير ناضجة في الوقت الراهن لاستمرار المفاوضات في المستقبل القريب بدليل تعثر تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية حيث تعد حلقة أساسية للسير نحو الأمام في برنامج عمل المبعوث الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس.
كما أن توقيع الإتحاد الأوربي على اتفاقية الصيد البحري تشمل السواحل الصحراوي قبل عيد العرش لوحظ فيه مساندة اسبانية لأنها المستفيد الأول منها، وتوج هذا التحالف المغربي الإسباني لمعركة التصويت عليها في البرلمان الأوربي بزيارة العاهل الإسباني إلى المغرب لحضور التوقيع على عدد من الاتفاقية بين البلدين.
ولأن بنية الإتفاقية الجديدة مع المغرب لم تسيء إلى الموقف التفاوضي المغربي تجاه ملف الصحراء، بل إن تجديدها تم بشروط أحسن بكثير من الشروط السابقة ومنها التأكيد على قانونية الاتفاقية المتضمنة لسواحل الصحراء، من تداعيات فشل اعتراض البوليساريو على الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والإتحاد الأوربي.
تبعا لهذا السياق حمل الملك في خطابه الجزائر مسؤوليتها في إطالة أمد نزاع الصحراء، وهو بذلك يستند إلى سيادة قناعات دولية بأن الجزائر ضالعة في عرقلة مساعي الوصول إلى حل لنزاع الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي، بدليل رفضها المستمر لسياسة يد الممدودة للمغرب لتطبيع العلاقات بين البلدين.
ولذلك يجدد الملك الدعوة إلى عدم الانجرار وراء دعاة التعاطي مع مسألة حقوق الإنسان بآليات دولية للمراقبة، لكون ذلك لا يستقيم مع السيادة الوطنية والترابية للمغرب على هذه الأقاليم، وأن الطبيعي أن يتم تدبير قضايا حقوق الإنسان وفق الآليات الوطنية، وخاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يحظى بالمصداقية الدولية، وبمبادرات سيادية قوية، تتفاعل إيجابياً مع المساطر الخاصة للأمم المتحدة.
وإذ يحمل الملك الجزائر المسؤولية المباشرة في إطالة أمد الصراع، فإن حيثيات هذه القناعة تأتي تقييما لدور دبلوماسيها في مجلس الأمن لحقوق الإنسان بجنيف ولدى العديد من الهيئات الحقوقية الدولية ولدى مؤسسة روبرت كينيدي بالولايات المتحدة الأمريكية المؤيدة لأطروحة البوليساريو وتعطيل أي مبادرات للحل.
واقع يعكس بقوة ازدواجية المواقف السياسية للجزائر تبرز في توظيفها لقضية الصحراء معركة في صراع إقليمي ضد المغرب، وهو ما يتمظهر في ربط فتح الحدود البرية مع المغرب بنزاع الصحراء، مما يكلف المنطقة المغاربية اقتصاديا وأمنيا وجيوسياسيا.
فهي تعبر عن تأييدها للتوجهات الأممية والإنسانية لتدبير هذا النزاع بما يضمن الشروط الإنسانية للصحراويين، لكنها بالمقابل تمارس انتهاكات حقوقية وإنسانية باحتجاز سكان مخيمات تندوف، حين تزيد من عزلتهم وتعرقل تنفيذ توصية مجلس الأمن الدولي بإحصائهم وكذا تعيق تواصلهم مع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية ما عدا للدين يدافعون عن أطروحتها الإنفصالية.
وظلت الجزائر تعاكس على الدوام دعوات الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأممية والمؤسسات المالية المانحة التي دعت في أكثر من مناسبة إلى التسريع بفتح الحدود البرية الوحيدة المغلقة في العالم. ولذلك تفادى خطاب العرش الأخير تجديد دعوته للجزائر بفتح الحدود، بعدما لجأت للهروب إلى الأمام باشتراطه قبل أسابيع شروطا تعجيزية لفتح حدودها مع المغرب.
وإذ يجيب الملك على التحديات السياسية للموقف التفاوضي المغرب وحسم الموقف المغربي من ورقة حقوق الإنسان في الصحراء، فإنه يقدم مقاربته بخصوص تعزيز سيادته الترابية على الأقاليم الجنوبية بخطة المغرب تقوية المشاريع التنموية في الأقاليم الجنوبية وفق رؤية يعدها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
٭متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق