عبد الفتاح الفاتحي
يرى الدكتور عبـد الفتـاح الفاتحـي الخبير والباحث في قضايا الصحراء والشأن المغاربي ،أن الديبلوماسية المغربية اليوم في وضع تيه حقيقي، و أكد أن ذلك يتوضح جليا بعد المبادرة الأمريكية التي أكدت أن الديبلوماسية الحكومية تعيش نكسة مهددة لمستقبل وحدتنا الترابية، و أشار عبد الفتاح الفاتحي إلى أن تراجع أداء الدبلوماسية المغربية تجلى قويا بعد استبعاد باريس رفع حق الفيتو في وجه المبادرة الأمريكية لتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء على الرغم من العلاقات الإستراتيجية والتاريخية والاقتصادية مع فرنسا.
و أضاف متحدثنا أن الواقع الجديد لتطورات ملف لصحراء واستشعارا لتداعيات القرار الأممي تستدعي امتلاك سيناريوهات وخطط عمل بديلة رهينة بالتحولات السياسية الجديدة في ظل الأزمة المالية .
وشدد عبد الفتاح الفاتحي على أن للدبلوماسية الموازية أهمية كبيرة في بلورة الاتجاهات السياسية الجديدة في مواقف حكومات الدول ،و ألمح إلى أن التحرك الدبلوماسي الحزبي قد يفتح نقاشا جوهريا بشأن مدى امتلاك المغرب لاستراتيجية واضحة المعالم للدبلوماسية الموازية.
حاورته: بشرى عطوشي
- ما هي تداعيات القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء على الموقف التفاوضي المغربي؟.
وإن توفق المغرب في سحب المبادرة الأمريكية بدعم فرنسي والالتزام بتعهدات حقوقية وسيادية مجحفة، فإن المبادرة تبقى سيفا معلقا على رقبة السيادة المغربية عند كل دورة أبريل لمجلس الأمن الدولي، ذلك لأن القرار الأمريكي لم يسحب بصفة نهائية، بل إن سحبه يعد تمديدا زمنيا أمام المغرب لتحسين حقوق الإنسان في الصحراء، وقد وردت هذه العبارة بشكل مركز في القرار الأممي 2099 حين ينص “على ضرورة تحسين وضعية حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف”، وحث الأطراف “على التعاون مع المجتمع الدولي لوضع وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان”.
وعلى الرغم من سحب القرار الأمريكي إلا أن القرار الناسخ تبقى له تداعيات جيوسياسية خطيرة جدا على المغرب، ومنها تهديد توازنه في معادلة الصراع الإقليمي لصالح الجزائر، والإضرار بوضعه الجيوسياسي إفريقيا، في حين يمنح الجزائر امتيازا في طموحاتها بالهيمنة على المنطقة المغاربية ويضمن لها نفوذا مجاليا وجيوسياسيا على المستوى الافريقي.
وبناء على ما سبق فإن هذا القرار يهدد الأمن القومي الداخلي للمغرب شئنا أم أبينا، سيما وأن تداعياته تهدد عناصر قواه السياسية والسيادية بما فيها هيبة القوى الأمنية والقوى العسكرية والقوى الفكرية والدينية في المنطقة. حيث سيزيد من تراجع قيم الوحدة والاجماع المغربي بخصوص قضايا الوحدة الترابية والكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، لاسيما أن المغاربة يستشعرون الكثير حيال القضية الوطنية الأولى، المربوطة تاريخيا ببنية العرش. ولأنها كلفت المغاربة الكثير من التعبئة المادية والبشرية والسياسية والأمنية والعسكرية.
أما عن تداعيات القرار الأممي الأخير، فإنه يتوقع أن لا ينتج عن المفاوضات التي يستعجلها مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير 2099 الصادر في 25 أبريل 2013 بنيويورك أي حل لنزاع الصحراء، وذلك لأن إطالة أمد النزاع يصب في صالح الجزائر وتنظيم البوليساريو، في انتظار ربح مكاسب حقوقية بزيادة الضغط على المغرب دوليا واقليميا.
- إذا كانت هذه هي تداعيات القرار الأممي الأخير على مسألة الصحراء ترى ما هي مساحات الاختيارات المغربية لحماية سيادته الوطنية؟.
بالتأكيد تبقى هناك مساحات هامة على المغرب استثمارها بجدية أكبر، منها أن هناك كثافة سكانية هامة من الصحراويين المرحبين بمبادرة الحكم الذاتي، وهو ما أشار إليه كريستوفر روس في إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي.
وللمغرب فرصة تاريخية تتعلق بتحقيق العدالة الإجتماعية في الأقاليم الجنوبية لاحتواء تحركات انفصالي الداخل، خاصة وأن هناك قاعدة عريضة غايتها الأساسية هي توفير ضمانات العيش الكريم فقط، بعيدا عن تجاذبات النزاع السياسي. ومن جهة ثانية فإن حالة التدبير الفاشل المتواصلة في أقاليم الجنوب ستزيد من شدة الاحتقان الاجتماعي الذي يتصيده انفصاليو الداخل لتبرير تحوير كل تظاهرات المطالب الاجتماعية والاقتصادية إلى مظاهرات سياسية تطالب بالانفصال عن المغرب توفر لها تغطية إعلامية دولية والمزيد من زيارات المنظمات الحقوقية الراغبة في زيارة الأقاليم الجنوبية.
وللمغرب أيضا إمكانية لاحتواء التظاهرات على قلتها عبر إصلاحات تستهدف الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي، وتطبيق مبدأ الإشراك والمشاركة نحو تحقيق عدالة اجتماعية، لاسيما أن دوافع المظاهرات لا تعدو أن تكون نكاية بحالة الفساد في التسيير وانعدام العدالة الإجتماعية، بدليل أن مطالب العديد منهم للمبعوث الشخصي كريستوفر روس جد محدودة منها المطالبة بحياة أفضل وإشراكهم في المفاوضات على مستقبلهم بشكل معقول، وكذا المطالبة بتطبيق الحكم الذاتي بضمانات أممية.
وعليه فإن للدبلوماسية المغربية الكثير من الدفوعات لإضعاف البوليساريو التي لا زالت تعارض العديد من القرارات الدولية، حيث أعادت التأكيد على مواصلة تعنتها، حينما رفضت حوارا شاملا بين سكان الصحراء لتحديد مستقبلهم، وكذا بعد التأكيد على رفضها طلب روس بشأن التسجيل الفردي للاجئين.
- كيف تقييمون أداء الدبلوماسية المغربية الرسمية قبل وبعد المبادرة الأمريكية لتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء “المينورسو”؟.
في الحقيقة وعلى الرغم من الاحتفالية التي أفردها الإعلام العمومي الرسمي لسحب القرار الأمريكي بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو، فإن القرار الأمريكي قد أصاب الموقف التفاوضي المغربي في العمق، بحيث بات يشكل قرارا مهددا لقدسية الوحدة الترابية.
إن واقع الموقف التفاوضي المغربي قبل وبعد القرار الأممي الأخير رقم 2099 حول الصحراء ولو بالصيغة التي انتهى إليها مجلس الأمن الدولي، فإنه ألبسا انتهاكات حقوقية ترتكب في الأقاليم الجنوبية، وهو ما ذهب بالصورة الحقوقية والديموقراطية التي كونها المغرب بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة وكذا بعد الاصلاحات الدستورية الأخيرة.
وبالتالي يمكننا أن نقيم واقع الدبلوماسية المغربية بأنها اليوم في وضع تيه حقيقي، حتى أننا بتنا بعد المبادرة الأمريكية نعيش نكسة دبلوماسية رسمية مهددة لمستقبل وحدتنا الترابية، عقب تقدم الحليف الاستراتيجي والتاريخي للمملكة المغربية الولايات المتحدة الأمريكية بمقترح خلق جهاز أممي مستقل لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
وحيث إن الولايات المتحدة الأمريكية تسارع إلى التقدم بمبادرتها الماسة بالسيادة المغربية على الصحراء ومن دون مشاورات مع المغرب فإن ذلك يكشف عن انقطاع في قنوات التواصل بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولو أن المغرب وقع مع بلد العم سام على اتفاق الحوار الاستراتيجي الأمريكي المغربي، بواشطن وقعه كل من هيلاري كلينتون ووزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني.
إن تراجع التواصل المغربي الأمريكي يكشفه انحسار تبادل المكالمات الهاتفية بين الملك محمد السادس وباراك أوباما إلا من مكالمة وحيدة بينهما خلال الأيام القليلة أي مباشرة بعد سحب الولايات المتحدة الأمريكية لمبادرتها الحقوقية وصدور القرار الأممي الأخير بالصيغة التي عليها اليوم.
كما أن ضعف يقظة الدبلوماسية المغربية جسدها تفاجؤها بالمبادرة الأمريكية على الرغم من أن المغرب عضو بمجلس الأمن الدولي، أي أن الدبلوماسية المغربية علمت بالقرار كباقي الأعضاء، أي في وقت متأخر، وهو ما يدل عليه قول كريستوفر روس في إفادته أمام مجلس الأمن الدولي يوم 22 أبريل 2013 “كان الملك محبطا ومتأسفا كثيرا، وكان قد سمع بهذا الخبر للتو (يقصد قرار توسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء وتندوف)”.
تراجع أداء الدبلوماسية المغربية تجلى قويا بعد استبعاد باريس رفع حق الفيتو في وجه القرار الأمريكي على الرغم من علاقاتنا الإستراتيجية والتاريخية والاقتصادية مع فرنسا، ورغم ما خصص لفرانسوا هولاند من استقبال كبير بالدارالبيضاء والتوقيع على حوالي 19 اتفاقية بين المغرب وفرنسا على بعد أيام من الإعلان عن القرار الأمريكي بتوسيع مهام المينورسو.
إن المصادقة على القرار الأممي الناسخ لمقترح القرار الأمريكي واستبعاد اعتراض فرنسا على ذلك بورقة الفيتو كشف عن هشاشة التحالف الاستراتيجي الدولي لشبكة علاقات المغرب، وفشل بنية دبلوماسيته التي عاشت على وقع الصدمة لما اقترحت أمريكا قرارا ضد حليفها الاستراتيجي المغرب.
وبدأت تداعيات تضاؤل الحضور الدبلوماسي المغربي على المستوى الدولي تبرز تواليا، ومنها ما سمعناه من انتقاص شخصيات مصرية رسمية من الأدوار التي يقوم بها المغرب لخدمة القضية الفلسطينية، ومنها ما يتعلق بدور لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس. وأعتقد أن التحركات الملكية الأخيرة التي يقوم بها ولاسيما زيارته الأخيرة لفرنسا وجولته الأخير تدخل ضمن استراتيجية استعادة المغرب لهيبته الدبلوماسية على المستوى الدولي.
- ألا ترون أن موضوع التكوين في مجال الدبلوماسية حول طريقة التعامل مع القضايا الحيوية للبلاد، أصبح يفرض نفسه؟.
إني أرى أن التكوين في العمل الدبلوماسي لا يمكن تصوره في حفل التخرج التخصصي يمتد لسنة أو لسنتين، لأن ذلك غير مفيد إلا من الناحية التقنية والإدارية الصرفة وهو ما لم يستوعبه الماسك لعمل الدبلوماسية. ذلك أن إعداد كوادر العمل الدبلوماسي لا يشملهم التكوين في غرف الدراسة والتكوين التخصصي فحسب، وإن كان ذلك جد هام في مجال التكوين في اللغات والتواصل بل إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، ومنها أفق التدبير السياسي والدبلوماسي وتتبع تطور العلاقات الدولية ومتغيراتها، والقدرة الهائلة على اختراق المجتمعات السياسية والمدنية للمجتمع الذي يقيم فيه الدبلوماسي المغربي، بل والعمل على تنشيط العلاقات التشاركية مع مكونات هذا المجتمع.
غير أن واقع حال دبلوماسيتنا الرسمية لم يستوعب بعد مثل هذه الأفاق، ليبقي على الخيار الأسهل والمتعلق باستمرار تكوين دبلوماسية المكاتب لتبقى سيدة الموقف، حيث بادرت وزارة الخارجية في عهد سعد الدين العثماني إلى الاستثمار في دبلوماسي المكتب، ويبدو ذلك واضحا من خلال ملامح الملف البيداغوجي للأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية، التي خلقتها وزارة الخارجية للتكوين في القانون الدولي والتاريخ والاقتصاد والسياسة الخارجية، إلى جانب اكتساب مهارات لغوية.
وبين بؤس الرؤية والتدبير الجديد، يستمر عمل الدبلوماسية المغربية نشازا بعد أن أعادت تقديم لائحة من الأسماء الدبلوماسية من الشيوخ في سن التقاعد للعودة إلى العمل الدبلوماسي مما يقلص أي فرص للتحرك وتحريك الفعل الدبلوماسي للوضع الصحي وشيخوخة عدد كبير من سفراء دبلومسيينا.
- ألا ترون بأنه آن الأوان أن تنفتح الدبلوماسية الرسمية على فعاليات الدبلوماسية الموازية في قضية الوحدة الترابية؟.
أرى اليوم وخاصة بعد تهلهل الموقف التفاوضي المغربي عقب القرار الأممي الأخير حول الصحراء، أن تفعيل المؤسسات الوطنية الرسمية منها والموازية بات واجبا، وضرورة تقتضي التخطيط لتدبير تحركها العملي عبر بلورة خطة عمل واضحة، وتنسيق مجالات التحرك نحو شركاء دوليين، طبعا بعد إخراج الملف من يد إدارته التقليدية.
إن الواقع الجديد لتطورات ملف لصحراء واستشعارا لتداعيات القرار الأممي تستدعي منا أن نكون على قدر كبير من امتلاك سيناريوهات وخطط عمل بديلة رهينة بالتحولات السياسية الجديدة في ظل الأزمة المالية وقوة لوبيات البترول المالية في العلاقات الدولية واستحضار للوضع الأمني المقلق في جنوب الصحراء، وما يعنيه من فوضى واتساع رقعة الإرهاب في هذه المنطقة، مما يؤشر على استعجالية مجلس الأمن الدولي لحل نزاع الصحراء.
ومن جهة ثانية فإن لا أحد يشكك في جدوى وفعالية الدبلوماسية الموازية التي أثبتت جدارتها على المستوى العالمي في معالجة الكثير من لملفات الشائكة على المستوى الدولي، بل إن المجتمع المدني، وجماعات الضغط، و الرأي العام بكل أشكاله استطاع أن يصبح رقما مهما في المعادلة الدولية.
- كيف تقييمون نتائج الدبلوماسية الموازية المغربية على ضوء تحركات الدبلوماسية للجزائر والبوليساريو؟.
بدا واضحا أنه لم تكن هناك رؤية رسمية لاستثمار الدبلوماسية الموازية، واستمر ذلك في عهد حكومة عبد الإله بن كيران رغم صلاحياتها الواسعة في هذا الباب، فنتج عنه تقلص في التمدد الدبلوماسي الرسمي والموازي، وكرس طابعه الدفاعي عن الموقف التفاوضي المغربي بشأن الصحراء أمام المنتظم الدولي، لا يتجاوز الاعتراض أو العمل على تليين بعض المواقف الدولية.
وقد تأكد بعد سنة من خروج وزارة الخارجية مما كان يسمى بوزارة السيادة، بأن الدبلوماسية المغربية تقيم استراتيجيتها على الحفاظ عن المكاسب، وحصر مجال تمدد دبلوماسية الجزائر والبوليساريو في طرح أطروحتهما الانفصالية، لذلك أبقت على استبعاد دور الدبلوماسية الموازية خارج دائرة الضوء على أساس ضبط توجهات الموقف الدولي، سيما وأن في هذه المقاربة المغربية شبه انعدام الثقة في دبلوماسيتها الموازية الوطنية.
والحق أن استبعاد الدبلوماسية الموازية بات يشكل نهجا استرتيجيا على الرغم من الاختراق المفاجئ الذي حققته جبهة البوليساريو بفعاليات مدنية صغيرة في موقف البرلمان السويدي الذي بات يعترف بـ”جمهورية الصحرء”، إلا أن الدبلوماسية المغربية حافظت على نسقية عملها، ولم تبد عن ردود فعل تعكس توجها جديدا لأدائها باستثمار الدبلوماسية المدنية والحزبية والبرلمانية داخل المؤسسات الأوربية التي تجمعنا بها اتفاقيات الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي.
وتحاول بعض التحركات البرلمانية والحزبية لتنشيط عمل الدبلوماسية الموازية إلا أنها تبقى بدون برنامج عمل مخطط له، لتفتقد الفعالية والاستثمار الاستراتيجي، إذ أن نشاطها لا يتجاوز ردود فعل، ولا أدل على ذلك الزيارة التي قام بها السيد رئيس مجلس النواب كريم غلاب نحو السويد عقب اعتراف برلمانها بدولة البوليساريو. وهو ذات التحرك الذي سعت الدبلوماسية الحزبية القيام به، إلا أنها كانت متأخرة أو عليها أن تؤسس لذلك بصورة دائمة لزيادة فعاليتها التي تبعدها عن الموسمية، في أفق تحقيق استدامة التواصل والتأثير في المؤسسات الدولية وخاصة علاقاتنا مع الاتحاد الأوربي.
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن الزيارة الأخيرة لحزب الاستقلال إلى موريتانيا، يمكن اعتبارها احساسا بالحاجة إلى تدارك نشيط الدبلوماسية الحزبية لصالح إنعاش العلاقات المغربية الموريتانية وإفشال مساعي الوقيعة بين المغرب وموريتانيا.
واستفادت دبلوماسية هذا الحزب بالتوجه المغربي القوي نحو إفريقيا، ومنه ثمار الزيارة الملكية التي قام بها الملك محمد السادس إلى السنغال وكوت ديفوار والغابون، فَيَسَر له ذلك لقاء الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والتوقيع مع الحزب الحاكم الموريتاني الاتحاد من أجل الجمهورية على مذكرة تفاهم بين البلدين تتعلق بانعقاد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة للتعاون وتدشين مجمع دبلوماسي تم تشييده بالعاصمة نواكشوط يضم مقر السفارة المغربية وعددا من المكاتب.
وهكذا يكون هذا التحرك الدبلوماسي قد لملم حالة من جمود الدبلوماسية الحزبية المغربية بعد خيبتها في الأممية الاشتراكية وشكل إسنادا للدبلوماسية الرسمية لإعادة تنشيط العلاقات المغربية الموريتانية إلى مستويات قياسية بعد طول فتور بالاتفاق على عقد اجتماعات اللجنة المغربية الموريتانية المشتركة.
ومعلوم أن هذا النوع من الدبلوماسية الحزبية من شأنه محاصرة تمدد الأطروحة الإنفصالية داخل المجتمع المدني الموريتاني، بعد أن كسبت البوليساريو تأييد بعض الأحزاب الموريتانية السياسية والمؤسسات النقابية والمدنية لمواقفها السياسية. ذلك أن جبهة البوليساريو باتت تتوفر على قاعدة ميدانية ونقابية وحزبية كبيرة تدعم مواقفها الانفصالية خلال الفترة الأخيرة من توتر العلاقات المغربية الموريتانية.
وقد تأكد ذلك واضحا في الدعم الذي لقيته حملة البوليساريو الدعائية من مساندة عدة أحزاب سياسية اقليمية ومؤسسات مدنية بعد محاكمة معتلقي مخيمات تندوف، حيث عبرت العديد من التنظيمات السياسية والنقابية عن مساندتها للمعتقلين، ولنا مثال في ذلك مساندة وتضامن الأحزاب والنقابات الموريتانية مع جبهة البوليساريو إلى أن يتم إطلاق سراح المعتقلين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الحزب الموريتاني للدفاع عن البيئة، حزب اتحاد الشباب الديمقراطي، حزب عصبة الموريتانيين من اجل الوطن، حزب الإصلاح حزب الرفاه، ومن الهيئات النقابية الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا، والاتحاد الوطني للنقابات المستقلة والكونفدرالية الموريتانية للشغيلة….
وتواصل التمدد الدبلوماسي للجزائر والبوليساريو على المستوى المدني والحزبي الدولي بتوسيع نفوذهما المدني داخل تركيا، حتى ارتفعت عدد الجمعيات التركية “الخيرية” التي تداوم على زيارة مخيمات تندوف، وإعلان مواقف سياسية مؤيدة للجبهة. وهو ذات التمدد الشعبي واصلته البوليساريو مع نشطاء يمنيين بتأسيس جبهة يمنية لمساندة البوليساريو، وبالعمل المدني في علاقتها بدول “الربيع العربي”.
وإن تكن للدبلوماسية الموازية أهمية كبيرة في بلورة الاتجاهات السياسية الجديدة في مواقف حكومات الدول، فإن التحرك الدبلوماسي الحزبي قد يفتح نقاشا جوهريا بشأن مدى امتلاك المغرب لاستراتيجية واضحة المعالم للدبلوماسية الموازية.
فبالإضافة الى ذلك فإن البوليساريو تعمل مؤخرا على اختراق الجبهة اليمنية بعدما كنا أمام إجماع الجمهورية اليمنية بمغربية الصحراء، فصرنا نسمع بوجود جبهة يمنية لمساندة البوليساريو ومبدأه الانفصالي القائم على ادعاءات تطبيق “تقرير المصير”.
وأمام هذه الحيثيات فإن الدبلوماسية لها تأثيرات جوهرية وجد فعالة في خلق اتجاهات سياسية جديدة في مواقف حكومات الدول، إلا أن المغرب لا يمتلك استراتيجية واضحة المعالم بشأن الدبلوماسية الموازية، حيث لم نلحظ استغلال صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي لتكثيف اللقاءات البرلمانية مع برلمانات الاتحاد الأوربي لتوضيح الموقف المغربي من قضية الصحراء. لذلك كانت تداعيات ذلك أن نزيد من ترجيح موقفنا السياسي من نزاع الصحراء فقدنا تأييد أو بالأحرى حيادية دول جد هامة على المستوى الأوربي كالسويد، بل وتزايدت تحرشات عدد من النواب الأوربيين المؤيدين للطرح الانفصالي.
المنعطف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق