حسن الأشرف -العربية نت
تضمّنت آلاف الوثائق السرية من وثائق وزارة الخارجية الأميركية التي تهم الفترة الممتدة بين 1973 و1976، والتي نشرها أخيراً موقع "ويكيليكس" الشهير، عدداً من المعطيات التي تخصّ المغرب لاسيما في قضية الصحراء، حيث كان يصارع حينئذ لاسترجاع أقاليمه الجنوبية المستعمَرة من طرف إسبانيا.
وأفادت الوثائق المنشورة من لدن "ويكيليكس" بأن الوزير الأول الأسبق أحمد عصمان طلب سنة 1974 من الولايات المتحدة الأميركية الضغط على الجنرال فرانكو لدفع إسبانيا إلى مغادرة الصحراء بطريقة سلمية، مبدياً استعداد الرباط لضمان "المصالح الإسبانية في فوسفات الصحراء".
وفي تفاصيل البرقية السرية، التي أقدمت "ويكيليكس" على نشرها، الاثنين الماضي، والصادرة من المصالح الدبلوماسية الأميركية بالرباط، أن أحمد عصمان الذي كان يشغل خلال السبعينات من القرن المنصرم منصب الوزير الأول في الحكومة المغربية، طلب في لقاء مع السفير الأميركي من واشنطن التدخل في ملف الصحراء والضغط على إسبانيا لمغادرة الأقاليم الصحراوية بشكل سلمي.
وكشفت الوثيقة ذاتها أن المسؤول الحكومي المغربي الأسبق عبّر عن استعداد المغرب ضمان المصالح الإسبانية في الفوسفات الذي تزخر به الصحراء، رافضاً رفضاً كاملاً قيام "دولة شبح" بالصحراء تديرها كراكيز يتم تحريكها من مدريد، على حد تعبير عصمان للسفير الأميركي حينها.
ومن الوثائق الأخرى التي نشرتها "ويكيليكس" بخصوص المغرب، وثيقة سرية صدرت عن المصالح الأميركية بالرباط في 12 مايو/أيار 1973، أشارت إلى أن المغرب طلب مساعدة الاتحاد السوفييتي لنقل الجنود المغاربة الذين كان الملك الراحل الحسن الثاني قرّر إرسالهم إلى سوريا.
ونقلت السفارة الأميركية بالرباط حينها قلقها إلى الإدارة المركزية في واشنطن بخصوص وجود تقارب مغربي سوفييتي، خلال ذروة الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، مضيفة أننا قد نعيش "مرحلة جديدة في العلاقات المغربية السوفييتية".
ويعلّق الدكتور عبدالفتاح الفاتحي، الخبير الاستراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، على وثائق "ويكيليكس" بخصوص قضية الصحراء، بأنها مؤشر على أن رغبة المغرب في استرجاع الصحراء من الاحتلال الإسباني كانت قوية، لكنه آثر في ذلك سلك الطرق الدبلوماسية السلمية كعادته في استكمال وحدته الترابية بالمفاوضات.
وتابع الفاتحي، في تصريحات لـ"العربية نت"، أن قضية الصحراء لم تخرج عن نطاق التشاور الذي دأب المغرب القيام به مع حلفائه الدوليين، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا لاسترجاعها من إسبانيا بطرق سلمية دون إراقة الدماء.
واستطرد المحلل قائلاً إن الوثيقة أوضحت بجلاء أن المغرب ظل يراقب الوضع في الصحراء دبلوماسياً وعسكرياً، لإفشال مسعى إقامة دولة وصفها عصمان في وثيقته بـ"إقامة دولة وهمية بالصحراء تسيرها كراكيز يتم تحريكها من مدريد"، في إشارة إلى جبهة البوليساريو.
وأفاد المتحدث بأن وثيقة عصمان إلى السفير الأميركي سنة 1974 كشفت أن المغرب استثمر مختلف القنوات الدبلوماسية السرية والعلنية منها لاسترجاع الصحراء، وكان يستوعب التلكؤ الإسباني الذي كان يأمل في اختلاق كيان وهمي في الجنوب المغربي.
وزاد الفاتحي أن الوثيقة أبانت اعتماد المغرب على مبدأ التفاوض البراغماتي والواقعي لاستكمال وحدته الترابية من إسبانيا، ويبرز ذلك في إعلان عصمان نية المغرب حماية مصالح إسبانيا من فوسفات الصحراء.
وخلص الفاتحي إلى كون "اقتناع المغرب بأن الولايات المتحدة الأميركية لها من النفوذ العملي لحل مشكل النزاع في الصحراء بممارسة الضغط على إسبانيا لمغادرة الصحراء، يفيد بأن القوى الدولية لم تكن تشكّ في سيادة المغرب على الصحراء، وهو ما يعني أن تدويل القضية لم يكن سوى فصل من لعبة تسويف القوى الكبرى"، وفق تعبير الخبير.